تأكيد على تفرد المملكة في تجربتها انطلاقاً من أصالتها

قراءة تحليلية لمضامين حديث ولي العهد عن السياحة في حوار أتلانتيك

خالد عبدالله الفريان -

شارك

جاء حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، مع مجلة أتلانتيك  الأمريكية، ليؤكد مجددا على الأولوية التي تعطيها قيادة المملكة،  لتنمية القطاع السياحي، كأحد أبرز القطاعات الواعدة التي لم تستثمر سابقاً، ونظرا لدورها المحوري في تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات، وزيادة مصادر الدخل، وتوفير فرص العمل للمواطنين، مع زيادة الخيارات الترفيهية المتاحة للمواطنين داخلياً، إضافة إلى المكتسبات الثقافية والفكرية، عبر الترحيب بالعالم واطلاعه على مقوماتنا الحضارية، ومخزوننا الفني والتراثي المتنوع.

تجربة ذات طابع سعودي غير مستنسخة

 بدأ جلياً ميل المملكة إلى التفرد في تجربتها انطلاقاً من أصالتها، إذ أكد سموه بشكل حاسم ((أننا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئًا جديدًا للعالم، فالكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي))

  وضرب عدة أمثلة تؤكد ذلك ((  العلا على سبيل المثال، موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب، و مشروع الدرعية،  أكبر مشروع ثقافي في العالم، ويعد فريدًا من نوعه مشروع تراثي ثقافي ذا طابع نجدي، ومشروع جدة القديمة، القائم على التراث الحجازي، وهذا يعد أمرًا فريدًا من نوعه كذلك، وذا لاين، المدينة الرئيسية في نيوم، فهي تمثل مشروعًا فريدًا من نوعه تم إنشاؤه وصنعه بواسطة السعودية، ومشروع القدية في الرياض، الذي  يعد أكبر مشروع ترفيهي ثقافي ورياضي في العالم، حيث تبلغ مساحته نحو 300 كيلو متراً مربعاً ، وهي أكبر من مساحة العديد من دول العالم، إذ يحتوي على مدينة للملاهي، ومشاريع ثقافية، ورياضية وعقارية، صُممت بطريقة لم تشهدها مدن أخرى مثل: أورلاندو على سبيل المثال، ولا أي مكان آخر حول العالم".

متلازمة تعزيز السياحة وجذب الاستثمارات

في سؤال عن جذب الترفيه الغربي بطريقة كانت قبل 15 عامًا مستحيلة، فقد ربط سمو ولي العهد إجابته بالعديد من المسارات الموجبة لتنويع خيارات الترفيه ومنها مثلاً "جذب المستثمرين الأجانب وإبقاء المستثمرين السعوديين".

 إذ أنه لفترة طويلة كانت من أهم معوقات الاستثمار في المملكة تحفظات كثير من قطاعات الأعمال حول جودة الحياة في المملكة، بما في ذلك الانفتاح الاجتماعي ومحدودية الخيارات الترفيهية، إضافة إلى القيود البيروقراطية المتعددة التي تمنع عملياً الاستثمار في مشاريع ضخمة يمكن أن تكون محركات للجذب السياحي، وهذا ما تم الانتباه له في السنوات الأخيرة. 

أهلاً بالعالم .. في السعودية الجديدة

كانت الهيئة السعودية للسياحة - المتميزة في حراكها الإبداعي للتسويق للمملكة - موفقة جداً في اختيار عبارة أهلاً بالعالم، لحملتها التعريفية بالتأشيرة السياحية.   

في هذا السياق أكد سمو ولي العهد على ((ضرورة توفير جميع البنى التحتية كالمشاريع والفنادق والمنتزهات وغير ذلك، والبرامج والفعاليات المتنوعة، بغض النظر عن كونها في الرياضة، أو الثقافة، أو الموسيقى، أو غيرها، وذلك من أجل تحقيق هدف استقطاب مائة مليون سائح بحلول 2030م)).  

علما أن معدل نمو السياح الذي حدث في المملكة قبل جائحة كورونا، يعطي مؤشر إيجابي للتفاؤل بالوصول إلى الهدف، وأن  ذلك ليس مستحيلاً، كما ظن كثيرون عند إعلانه أول مرة في 2016م، إذ أنه منذ إطلاق الرؤية حدثت تطورات لافتة في القطاع السياحي ومن ذلك ما أشار له سموه في الحوار، إذ ارتفع  عدد السياح ثلاثة أضعاف تقريبا في أربع سنوات ((من 6 ملايين عام  2016 إلى 17.5 مليون سائح عام 2019)).

بخاصة مع الانتهاء من المشاريع السياحة الكبرى، وتوسيع منظومة السياحة حضورها الدولي، وحراكها الإبداعي في الترويج، الذي أدى إلى حصولها على 38 جائزة عالمية، وتدشين الهيئة السعودية للسياحة 12 مكتباً ضمن 7 أسواق عالمية رئيسية.

تخفِّيض البطالة وتوفير ثلاثين مليار دولار 

وفي أخر سؤال في الحوار عاد سموه ليلخص لماذا تعطي المملكة كل هذا الدعم و الزخم للمشاريع والبرامج السياحية والترفيهية، رغم معارضة بعض الفئات لجوانب معينة من ذلك: 

((إذا كنت سأخفِّض معدَّل البطالة، وكانت السياحة ستوفر مليون وظيفة، وإذا كنت قادرًا على جعل ثلاثين مليار دولار لا تُصرف خارج السعودية، ويبقى معظمها في الداخل؛ كي لا يسافر السعوديون بنفس قدر سفرهم الآن، فيجب عليَّ فعل ذلك، ولذلك لدينا أمرٌ نقوله: اختر الضرر الأصغر بدلًا من الضرر الأكبر)) 

منظومة دعم استثنائي للقطاع السياحي 

إن ما يتكرر في حوارات سمو ولي العهد من أرقام تبدو حالمة، و تركيز مكثف على السياحة، لا ينطلق من أماني وطموحات وحسب، ولكنها تستند على حزمة من المشاريع والبرامج والمبادرات،  وتوفير بنية تنظيمية تتابع مؤشرات  أداء القطاع، و تضم كل من وزارة السياحة، وصندوق التنمية السياحي، والهيئة السعودية للسياحة، ومجلس التنمية السياحي، التي تتكامل أدوارها في مجالات التشريع والتمويل والتسويق وجذب الاستثمارات، والإشراف على المشاريع الكبرى في القطاع، وحل المعوقات التي كانت تعيق الاستثمار فيه، مع دور مساند فعال لصندوق الاستثمارات العامة في قيادة الحراك الاستثماري،  من أجل بنية تحتية سياحية عملاقة ومنافسة عالميا، وفي مختلف مناطق المملكة،  الذي يستحيل أن يقوم به القطاع الخاص بمفرده.  

وقد دربت وزارة السياحة عام 2021 م نحو 137 ألف سعودي في قطاع السياحة من خلال برنامج "مستقبلك سياحة"، كما طورت سلسلة من المعايير الجديدة بلغ عددها 31 معياراً بهدف تعزيز جودة التدريب السياحي، فضلاً عن تفعيل منصة رقمية للتدريب؛ تجاوز عدد المسجلين عليها 226 ألف متدرباً وأتاحت المنصة برامج تدريبية لتطوير المهارات وكفاءة العمل؛ استفاد منها أكثر من 110 ألف موظف وباحث عن فرصة عمل.

75% من السعوديين مهتمون بالعمل في السياحة

إلى ذلك أشارت دراسة منشورة في موقع وزارة السياحة، إلى أنّ 75% من السعوديين مهتمون بفرص العمل المتوفرة في القطاع السياحي، ونظراً للنمو الكبير الذي يشهده القطاع؛ ارتفع عدد العاملين فيه بنسبة 10% عام 2021 مقارنة بعام 2020، كما أعلنت العديد من الشركات الكبرى توسيع نشاطاتها داخل المملكة في قطاع الضيافة؛ وتم استقطاب استثمارات أجنبية ضخمة في القطاع، الأمر الذي يوفر فرص عمل جديدة للسعوديين ويؤكد الثقة الكبيرة بمستقبل السياحة في المملكة، وفقا لرؤية المملكة 2030 والاستراتيجية الوطنية للسياحة، بعون الله، وبمزيد من الجهود لجميع الأطراف الفاعلة في تنمية القطاع السياحي، الذي يعتبر أكثر  القطاعات توظيفاٍ للمواطنين في العديد من دول العالم، ولذلك تعطيه القيادة والرؤية كل هذا الدعم والاهتمام.